رسالة الى الطبيب المسلم
مجموعة زاد 
العبيكان
 محمد صالح المنجد 
باللغة العربية والانجليزية 
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
مقدمة
أيها الإخوة: حديثنا -إن شاء الله- عن الطبيب المسلم.
وسنتعرض من خلال كلامنا في هذا الموضوع عن موقف الطبيب المسلم من المريض ومن المحتضر، وبعض النقاط المهمة التي تحصل أحياناً في المستشفيات وفي غرف العمليات، وبعض العمليات الجراحية، وقضايا تتعلق بجهاز الإنعاش، وبعض الأمور المتعلقة بعلاقة النساء والرجال داخل المستشفى.
والكلام عن صفات الطبيب المسلم كلام طويل، ولكن لن نتطرق إليه بالتفصيل في هذه المحاضرة، تكون محاضرة عامة أشبه بجمع بعض النقاط التي تقابل الإخوان الأطباء والطبيبات في المستشفى.
التعريف بالطبيب
فبادئ ذي بدء أقول لكم -أيها الإخوة-: إن الطبيب المسلم ليس هو ذلك الإنسان الذي أخذ الشهادة، أو درس مجموعة معينة من الكرسات في علم الطب في أي حقل من حقوله حتى حصل على تلك الورقة التي تخبر وتثبت بأنه وصل إلى الدرجة الفلانية في حقل الطب، وإنما الطبيب المسلم هو حقيقة داعية إلى الله  بالدرجة الأولى، وإن المجال الذي يعمل فيه الطبيب المسلم يؤهله للقيام بدور كبير في الدعوة إلى الله ، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي تصحيح واقع كثير من الناس. والداعية إلى الله عموماً في المجتمع قد يصادف بصدود كبير، وبمقاومات عنيفة، وعوامل كثيرة تجعله لا يستطيع أن يوصل ما يريد إيصاله من الأفكار الإسلامية الصحيحة إلى الناس، ولكن الطبيب عنده فرصة ذهبية لا تكاد توجد لغيره، وهذه الفرصة أنه الآن يتعامل مع شخص في حالة ضعف، والشخص عندما يكون مريضاً أو على وشك الموت، فإنه يكون في حالة من التقبل لتقوية صلته بالله أكثر من أي شخص آخر، وهنا تبرز قضية الجانب الإيجابي الذي يتمتع به كثير من الأطباء، والذي لا يوجد لغيرهم من المسلمين الذين يقومون بالدعوة إلى الله في أماكن أخرى.
موقف الطبيب المسلم من المريض
في البداية -أيها الإخوة- سنتحدث عن موقف الطبيب المسلم من المريض.
الحقيقة أنه عندما يوجد أمامك مريض فهذه فرصة كبيرة لتعليم هذا المريض أشياء كثيرة جداً.
وستصادف طبعاً بطبيعة الحال كما ترى أنت في المعمعة في الواقع العملي أكثر مما أراه أنا أو غيري.
سترى منكرات أو سترى فرصة للتصحيح ينبغي أن تستغلها.
تذكير المريض بالرضا بالله وبقضائه
فمثلاً ينبغي للطبيب المسلم: أن يذكر المريض بالرضا بالله  وبقضاء الله، ومثل حديث: عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير[1]؛ لأن المريض قد يكون في حالة من اليأس والقنوط، ويحس مع تزايد الآلام ومع وطأة المرض عليه بأنه في حالة قد لا يشفى منها، وقد يقنط من رحمة الله، شخص في الحالة الطبيعية قد لا يأتي في نفسه هذا اليأس، ولكن الشخص في حالة المرض وتحت وطأة المرض قد يوجد عنده هذا الإحساس، وأنت يا أخي بصفتك طبيب، وأنتِ بصفتك طبيبة لا بد من استغلال هذه الفرصة لوضع الدواء الإسلامي الناجح، لتبيين قضية الرضا بقضاء الله، ومساعدة المريض بالألفاظ الطيبة التي تصبره على ما يعيشه من المحنة، ومن التعب النفسي والجسدي.
وقد يتسخط بعض المرضى، وقد يسبون المرض أو أعراض المرض، ولكن عندما نرى هذا الحديث الصحيح في صحيح الإمام مسلم عن جابر أن رسول الله ﷺ دخل على أم السائب فقال: ما لك تزفزفين؟ قالت: الحمى، لا بارك الله فيها، فقال: لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد[2] كما أن هذا الفرن الحار جداً وهذه النار الحامية تذهب الخبث أو الشوائب في الحديد حتى يخرج معدناً صافياً نقياً، كذلك هذه الأمراض تنقي المريض من الخطايا.
فأنت إذاً تفتح له باب الأمل، وتفتح له باب رحمة الله، وتقول له: "رب ضارة نافعة"، وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [سورة البقرة:216]، فأنت هذه فرصة لمحو كثير من الذنوب والخطايا التي قد لا تمحى إلا بالمرض؛ لأن كثيراً من توبة الناس واستغفارهم فيها أشياء خطأ فلا تمحو، ولكن إذا جاء المرض يمحو الله به من السيئات ما لا يمحوه بالتوبة والاستغفار.
وقد يتمنى المريض يعني يصل معك المريض إلى لحظة تمني الموت، فتجده يصرخ مثلاً في الغرفة يدعو على نفسه بالموت، أو يدعو الله أن يميته مثلاً تحت هذا الضغط من الألم، فعند ذلك تبين له حديث الرسول ﷺ: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنياً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي[3].
هذه مبادئ أساسية، هذه الأحاديث -يا إخوة- يمكن الشخص العادي لا يجد لها مجالاً عملياً مثل ما يجدها الطبيب، ولكن أنت بواقعك تستطيع أن تطبق هذه الأحاديث وتعمل بها في الواقع كثيراً.
وأحياناً يكون مرض المريض خبيثاً، قد يصاب بسرطان وتكتشف، فماذا يجب عليك في هذه الحالة؟
يلجأ كثير من الأطباء إلى إخفاء واقع المريض السيئ عن المريض، وعدم إخباره نهائياً بحالته الصحيحة، وهذه المسألة مع ما فيها من الإيجابيات حتى لا تسوء نفسية المريض، فإنه لا بد أيضاً من إخباره بوضع معين حتى يتأهب مثلاً للموت، قد يكون لم يوص بعد، فهو يحتاج إلى أن يوصي مثلاً، وقد يكون هذا الرجل عنده معاصٍ كثيرة يريد أن يتوب منها.
فأنت لا بد أن تتوسط بين تبيين وضعه تماماً بحيث أنه مثلاً لا ييأس، أو بحيث أنه لا يصاب بإحباط، وبين أن تبين له مدى الخطورة التي يستعد بعده، يعني لا بد مثلاً أن تبين له وتقول: يا أخي، الأعمار بيد الله، قد يكون هذا المرض مميتاً، وقد تشفى بإذن الله، نحن لا ندري، لكن أنت عليك أن تتأهب لملاقاة الله  في أي وقت، يعني كلمات تشعر صاحب المرض أنه يمكن أن يقدم على الله في أي لحظة فيستعد، يعني السلبية من عدم إخبار المريض نهائياً بحالة المرض الذي هو فيه، هي: أن المريض لا يتمكن من القيام بتصرفات معينة، مثل التوبة، مثل كتابة الوصية، فأنت تتلافى هذه السلبية وتتوسط بأسلوبك المتزن بين سلبية إشعاره باليأس، تقول: معك سرطان مثلاً مفاجأة، وبين أنك تطمئنه تماماً بحيث أن الرجل يظن أنه ما فيه شيء نهائياً، وأنه سيقوم بعد أيام، وإذا به تفاجئه المنية.
وقد يشي المريض للطبيب في حالة الاحتضار بأسرار معينة، وقد يوصيه بوصايا ما يطلع عليها أحد، لكن عندما يجد نفسه في حالة الاحتضار، فقد يقول للطبيب مثلاً: قل لأبي كذا، أو قل لأمي كذا، أو قل لإخواني كذا، أو أوصي بأن يخرج من مالي كذا، أو إنني ظلمت مثلاً عمالاً معينين، أكد على أهلي بأن يخرجوا حقوقهم أو رواتبهم، إلى آخره، ففي هذه الحالة لا بد أن ينقل، من مهمات الطبيب المسلم أن ينقل إلى أولاد الميت أو أوليائه بأمانة تامة بكل ما أخبر به المريض عند احتضاره، أنت قد تسمع من الرجل وصايا ما يسمعها غيرك؛ لأنك كنت موجوداً في تلك اللحظة.
نية الطبيب عيادة المريض
هنا تذكير في أثناء مرور الأطباء على المرضى في الغرف: أن ينوي الطبيب بإتيانه للمريض أن يعوده لتحصيل الأجر، بعض الأطباء قد يمر على المرضى بحكم أن هذا عمله، وأنه لا بد أن يقوم بالجولة هذه المعينة على الغرف الفلانية، أو الأسِرة الفلانية، وينسى في غمرة هذا العمل أن ينوي في قلبه أنه الآن يمر عليهم ليس فقط لمعالجتهم والتأكد من أحوالهم، أو أن هذا العمل الموكل إليه وهذا التوزيع المعين، وإنما أيضاً ينوي أن يمر للعيادة لتحصيل الأجر العظيم؛ لأن في عيادة المريض أجراً عظيماً، عن ثوير عن أبيه قال: أخذ علي بيدي فقال: انطلق بنا إلى الحسن بن علي نعوده، فوجدنا عنده أبا موسى الأشعري، قال علي لأبي موسى: عائداً جئت أم زائراً؟ فقال: عائداً، فقال علي: فإني سمعت النبي ﷺ يقول: ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، ولا يعوده مساءً إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة[4]، الخريف هو المخرفة الثمار المجتناة في الجنة، طوال ذهابه وعودته، وهو يمشي في خرافة الجنة في الثمار المجتناة التي تكون له في الجنة.
فإذاً، لا ننسى تحصيل الأجر هذا، ولذلك نجد بعض الأطباء عندهم الروح الطيبة في أثناء زيارتهم، فتجد لو مر بمريض ليس بمريضه، وليس بمكلف بالمرور عليه تجد أنه يأتي ويسلم: السلام عليكم، كيفك يا أخي؟ تحتاج شيئاً؟ كذا؟ هذه الأشياء ليست علاجاً، الآن سيعطيه إبراً، وإلا سيعطيه أودية، وإنما يعطيه كلمات، قد يكون مريضه، وقد لا يكون مريضاً تابعاً لنفس الطبيب، لكن هذه الكلمات ينوي فيها العيادة ولن يخسر شيئاً؛ لأنه سيمر بسريره وسرير غيره فيحصل أجراً عظيماً، يعني هذه فرص للأجر لكم أنتم تستطيعون تحصيلها ليس كغيركم من الزوار الذين لا يأتون إلا مثلاً جزءً من ساعة معينة في اليوم، وقد لا يأتي يومياً وأنت يومياً تستطيع أن تكسب هذا الأجر.